منذ عام 1967، ومع احتلال المسجد الأقصى، يواجه سلسلة من الاعتداءات المستمرة، حيث يقوم وزراء وأعضاء الكنيست وأفراد الشرطة والمستوطنون باقتحام المكان ومحاولة أداء طقوسهم الدينية، بما في ذلك تقديم القرابين داخل الحرم القدسي.
الأهمية الدينية للمسجد الأقصى
المسجد الأقصى، المعروف بأهميته الدينية الكبيرة في الإسلام، يمتلك مكانة مرموقة تعود إلى الأحداث التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. فهو المكان الذي أسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء العجيبة، كما ورد في قوله تعالى في سورة الإسراء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله” (الإسراء – الآية 1). هذا التبارك يشير إلى البركات التي أحاطت بالمنطقة المحيطة بالمسجد وما تحتويه من قدسية.
كان المسجد الأقصى أول قبلة يتوجه إليها المسلمون في صلواتهم خلال الفترة التي قضوها في مكة المكرمة، واستمر ذلك لمدة 17 شهرًا بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، قبل أن يتم تحويل القبلة إلى المسجد الحرام. وبذلك، يحتل المرتبة الثالثة بين المساجد التي يُستحب زيارتها والتي تشد إليها الرحال، بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.
إلى جانب أهميته الدينية، كان على مر العصور مركزًا بارزًا للتعليم ونشر العلوم في الحضارة الإسلامية. لقد أصبح محجًا للعلماء والطلاب الذين يأتون لدراسة مختلف العلوم الدينية والدنيوية. كما كان المسجد موقعًا للعديد من الاحتفالات الدينية الكبرى والمناسبات التي كانت تعقد فيه، بما في ذلك إعلان المراسيم السلطانية وتعيين الكبار من الموظفين، مما يعكس دوره المحوري في الحياة الاجتماعية والدينية في المنطقة.
بهذه الطريقة، يظل المسجد ليس فقط مكانًا للعبادة، بل أيضًا رمزًا للتراث والثقافة الإسلامية التي تجسدت في جدرانه وما يزال يحمله من تاريخ عريق.
متى بني المسجد الأقصى؟
تم بناء المسجد قبل أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، مما يجعله ثاني أقدم مسجد تم إنشاؤه على وجه الأرض بعد المسجد الحرام. يستند هذا الزعم إلى ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه. وفيه يسأل أبو ذر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أول مسجد وُضع في الأرض، فأجاب الرسول: “المسجد الحرام”. عند سؤاله عن الثاني، أجاب: “المسجد الأقصى”. وعندما سُئل عن الفترة الزمنية بين تأسيس كلا المسجدين، أوضح أنها كانت أربعين سنة. كما أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجوز الصلاة في أي مكان تدرك الإنسان الصلاة فيه، مشيرًا إلى أن الأرض جميعها مسجد.
من بنى المسجد الأقصى للمرة الأولى؟
تظل هوية من بنى المسجد لأول مرة محل نقاش بين العلماء والمؤرخين، حيث لا توجد إجابة دقيقة وموحدة على هذا السؤال. الروايات والأقوال حول من وضع اللبنة الأولى لهذا المسجد العريق تختلف وتتعدد. من بين هذه الآراء، يذهب بعض المؤرخين إلى أن النبي آدم، أبو البشرية، هو من قام ببنائه. وفقاً لهذه الرواية، قام آدم بتحديد حدود المسجد الأقصى وبنائه بعد مرور أربعين عاماً على وضعه قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة، استجابة لأمر الله تعالى.
من ناحية أخرى، يرى آخرون أن سام بن نوح هو من أسسه. تدعم هذه الفكرة بعض الروايات التاريخية التي تلمح إلى دوره في إعادة بناء وتأسيس المعالم الدينية الهامة بعد الطوفان.
كذلك، هناك من يعزو الفضل في بناء المسجد إلى النبي إبراهيم، الذي له دور بارز في تاريخ العديد من الأديان الإبراهيمية. يُقال إن إبراهيم عمل على بناء المسجد كجزء من مهمته في نشر توحيد الله وتعاليمه بين الناس.
يؤكد تنوع هذه الروايات على الأهمية العظمى للمسجد الأقصى في الوعي الديني والتاريخي، حيث يُنظر إليه كموقع قدسي تعاقبت عليه أجيال من الأنبياء، ولكل منهم قصة تساهم في إثراء تاريخ هذا المكان المقدس.
أبرز معالم المسجد
المسجد الأقصى، الواقع في مدينة القدس، يُعتبر من أهم الأماكن الدينية في العالم الإسلامي ويتكون من مجموعة واسعة من الأبنية والمعالم التي تصل إلى حوالي 200 معلم. يشمل هذه المعالم عدة مساجد، قباب، أروقة، محاريب، منابر، مآذن، وآبار، بالإضافة إلى عناصر أخرى.
قبة الصخرة المشرفة
واحدة من أبرز هذه المعالم هي قبة الصخرة المشرفة، المعروفة بقبتها الذهبية اللامعة، وتقع في قلب المسجد .
الجامع القِبْلِي
يقع الجامع القِبْلِي في أقصى جنوب المسجد مواجهاً للقبلة ويتميز بقبته الرصاصية. يحتوي الجامع على 7 أروقة مدعومة بـ53 عموداً من الرخام و49 سارية من الحجارة.
بئر المياه في المسجد
يوجد في ساحات المسجد 25 بئراً للمياه العذبة، تتوزع هذه الآبار بين صحن الصخرة المشرفة والساحات السفلى، وتوفر مصادر مياه للوضوء والشرب.
أسبلة الشرب
من أهم أسبلة الشرب في المسجد سبيل قايتباي الذي يتميز بقبته الحجرية الرائعة، وسبيل البديري وسبيل قاسم باشا، والتي لفتت أنظار الرحالة العرب والأجانب.
المصاطب
توجد في المسجد نحو 35 مصطبة تستخدم للجلوس، الصلاة، وتدريس العلم الشرعي والعلوم الأخرى مثل اللغة العربية والرسم. ترتفع هذه المصاطب عن الأرض بدرجة أو درجتين وهي متاحة لجميع الأعمار والجنسين.
هذه المعالم تجعل المسجد موقعاً تاريخياً ودينياً فريداً، يحظى بأهمية كبيرة لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم.
المسجد : المساحة، الشكل، وعدد الأبواب
المسجد الأقصى يمتد على مساحة تقدر بحوالي 144 دونم، ما يعادل 144 ألف متر مربع، وهو ما يشكل نحو سدس المساحة الكلية للبلدة القديمة في القدس.
الشكل الهندسي للمسجد الأقصى
المسجد يأخذ شكلاً مضلعاً أو شبه مستطيل، حيث يبلغ طول الضلع الغربي له 491 متراً، والضلع الشرقي 462 متراً، والضلع الشمالي 310 أمتار، والجنوبي 281 متراً.
أبواب المسجد
يضم المسجد الأقصى 11 باباً تفتح على العالم الخارجي، منها 7 أبواب تقع على الجهة الشمالية، باب واحد في الشرق، اثنان في الغرب، وواحد في الجنوب، ومن بين هذه الأبواب يبرز باب المطهرة كواحد من الأبواب الرئيسية.
يعتبر كل باب من أبواب المسجد مدخلاً لفضاء يعج بالتاريخ والعبادة، مما يكسب المسجد أهمية كبيرة ليس فقط كموقع ديني، بل كشاهد على تاريخ طويل وعميق يمتد في قلب القدس.
الفضل العظيم للصلاة في المسجد
الصلاة في المسجد الأقصى لها مكانة خاصة في الإسلام نظرًا للفضل الكبير المرتبط بها. على مر العصور، تعددت الروايات والأحاديث النبوية التي توضح مدى الأجر والثواب الذي يحصل عليه المصلي في هذا المكان المقدس.
مضاعفة الأجر والروايات المختلفة
ورد في الأحاديث أن أجر الصلاة في المسجد مضاعف، لكن تختلف الروايات حول حجم هذه المضاعفة. فمن الأحاديث ما ذكر أن الصلاة هناك تعدل 500 صلاة، وفي روايات أخرى ورد أنها تعدل 250 صلاة. كما ظهرت روايات تزعم أن الصلاة في المسجد تعادل 50 ألف صلاة، لكن العلماء يرون أن هذا الرقم لا يصح، حيث يتجاوز فضل الصلاة حتى في المسجد الحرام بمكة المكرمة.
أصح الأحاديث وأكثرها قبولاً بين العلماء هي التي تفيد بأن الصلاة في المسجد تعادل ألف صلاة. هذا الفضل العظيم يجعل المسجد مقصداً مهماً للمسلمين من جميع أنحاء العالم.
الصلاة في أي جزء من المسجد
الميزة الأخرى للصلاة في المسجد هي أن الفضل يشمل الصلاة في أي مكان ضمن حدوده، سواء كان ذلك تحت إحدى أشجاره، داخل قبابه المتعددة، على مصاطبه التي تستخدم للجلوس والتعلم، أو حتى داخل الجامع القبلي أو قبة الصخرة. الفضل والأجر متساويان بغض النظر عن الموقع الدقيق للصلاة داخل المسجد، مما يؤكد على القيمة الروحية العميقة لكل زاوية وركن في هذا المكان المقدس.
هذه المميزات تجعل المسجد ليس فقط مكاناً للعبادة، ولكن أيضاً مكاناً يجتذب المؤمنين ليستمتعوا بالسكينة والطمأنينة التي تغمرهم أثناء وجودهم في هذا الموقع الفريد.
حريق المسجد : تأثيراته وردود الأفعال الدولية
في الحادي والعشرين من أغسطس/آب عام 1969، شهد المسجد الأقصى حادثة مروعة عندما اندلع حريق كبير داخله، وهو الحدث الذي يعتبر جزءاً من سلسلة إجراءات قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 بهدف محو الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس.
تفاصيل الحادثة
في ذلك اليوم، قامت سلطات الاحتلال بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد ومنعت السكان العرب من الاقتراب من ساحاته. في الأثناء، قام أحد المتطرفين بمحاولة إحراق الجامع القبلي داخل المسجد. النيران اشتعلت وكادت أن تدمر قبة الجامع، ولولا تدخل المسلمين والمسيحيين الذين قاموا بعمليات الإطفاء بالرغم من المعوقات التي فرضتها السلطات الإسرائيلية، لكانت الخسائر أكبر. الحريق أتى على منبر صلاح الدين التاريخي وتسبب في أضرار جسيمة لسطح الجامع الجنوبي وسقف ثلاثة أروقة من الناحية الشرقية.
الادعاءات والتحقيقات
رغم ادعاء إسرائيل أن الحريق نجم عن تماس كهربائي، أكد المهندسون العرب أن الحريق كان متعمداً. بعد ذلك، أشارت السلطات الإسرائيلية إلى أن شاباً أسترالياً هو المسؤول عن الحريق وأعلنت عن نيتها محاكمته. ومع ذلك، لم يلبث أن وُصف الشاب بالمعتوه وأُطلق سراحه بعد فترة وجيزة.
ردود الفعل الدولية
الحادث أثار استنكاراً واسعاً على المستوى الدولي. مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتمع وأصدر القرار رقم 271 في عام 1969، الذي أدان بقوة الأفعال الإسرائيلية ودعا إسرائيل إلى إلغاء كافة التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس. القرار أكد على الخسارة الفادحة التي لحقت بالثقافة الإنسانية جراء الحريق، وشدد على ضرورة منع إسرائيل من خرق القرارات الدولية السابقة بخصوص القدس.
النتائج الإقليمية وتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي
الغضب العربي والإسلامي تجلى بوضوح في اجتماع القادة في الرباط بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 1969، حيث تقرر إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ضمت أولاً 30 دولة عربية وإسلامية. كما تم إنشاء صندوق القدس عام 1976، وفي العام التالي، تأسست لجنة القدس برئاسة الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، بهدف الحفاظ على الهوية الإسلامية لمدينة القدس في وجه محاولات التهويد التي تمارسها السلطات الإسرائيلية.
الحفريات تحت المسجد : التحديات والتداعيات الدولية
الحفريات التي تقوم بها جماعة أمناء الهيكل تحت المسجد الأقصى تمثل واحدة من أبرز التهديدات التي تواجه هذا المعلم الديني والتاريخي الهام. منذ عام 1967، بدأت هذه الحفريات تحت الأبنية والمدارس العربية في القدس بذريعة البحث عن “هيكل سليمان” المزعوم، وسرعان ما امتدت هذه الأعمال إلى أسفل ساحات المسجد بحلول عام 1968.
تفاصيل الحفريات
تم حفر نفق طويل وعميق تحت المسجد ، وفي داخل هذا النفق أُنشئ كنيس يهودي. هذه الحفريات لم تكن مجرد أعمال بناء عادية، بل تُعتبر بمثابة تعديات تُهدد بتغيير الطابع الحضاري والتاريخي للمدينة المقدسة.
الاستنكار الدولي
هذه الأعمال لقيت استنكارًا دوليًا واسعًا، حيث تناولتها المنظمات الدولية مثل اليونسكو. في العام الثامن عشر للمؤتمر العام لليونسكو، تم إصدار القرار رقم 427/3 الذي يدين إسرائيل لاستمرارها في هذه الحفريات والأعمال التي تؤثر سلبًا على الطابع الحضاري لمدينة القدس بشكل عام، وعلى المسجد بشكل خاص.
التطورات الحديثة في الحفريات
في عام 2016، شهدت الحفريات تطورًا ملحوظًا حيث امتد نفق جديد من عين سلوان في الجنوب إلى الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى. هذا الافتتاح حضرته شخصيات بارزة مثل وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريجيف ورئيس البلدية الإسرائيلية في القدس نير بركا، مما يشير إلى مستوى الدعم الرسمي لهذه الأعمال.
الاعتداءات المستمرة
لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى عند الحفريات فحسب، بل تشمل أيضًا اقتحامات متكررة من قبل يهود متطرفين. هذه الأفعال تستفز مشاعر الملايين من المسلمين حول العالم وتؤدي إلى توترات متزايدة في المنطقة. مع استمرار هذه الحفريات والاعتداء