...
طه حسين عميد الادب العربي

طه حسين عميد الادب العربي

نبذة عن طه حسين

طه حسين، الكاتب، والمفكّر، والشاعر المصري، يعد واحدًا من أبرز الشخصيات الأدبية في الحركة العربية خلال القرن العشرين. حاز على لقب “عميد الأدب العربي”، وكان من بين أوائل من حصلوا على درجة الدكتوراة في الأدب العربي.

تميز حياته الأدبية بكتابة العديد من الأعمال والروايات البارزة، ومن أبرز أعماله الإبداعية يأتي كتاب “الأيام” الذي استعرض فيه سيرته الذاتية. تمت ترجمة هذا الكتاب إلى الإنجليزية ونشره في عام 1997م.

حياة طه حسين

طه حسين عميد الادب العربي

ولد طه حسين في إحدى القرى الصغيرة بمنطقة صعيد مصر، في يوم الجمعة الموافق الخامس عشر من شهر تشرين الثاني لعام 1889م. تعرض لفقدان بصره في سن مبكرة بسبب الرمد، لكنه لم يُثنَ عن استكمال تعليمه وتألقه العلمي، حيث برزت ذكاؤه وقوته في الحفظ والتذكر.

انطلق طه حسين في مسيرته العلمية بالانضمام إلى كتّاب قريته، حيث قام بحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل للدراسة في الأزهر ليتلقى تعليماً أعمق. في عام 1908م، انضم إلى الجامعة المصرية ونال شهادة الدكتوراة عام 1914م بعد إعداده رسالة بعنوان “ذكرى أبي العلاء”.

تلقى طه حسين بعثة للدراسة في فرنسا حيث حصل على شهادة دكتوراه ثانية، وأيضًا دبلوم في القانون الروماني. خلال فترة تواجده في فرنسا، تزوج من السيدة الفرنسية سوزان بريسو، وأنجب منها ابنتين، أمينة ومؤنس.

بعد عودته إلى مصر، بدأ طه حسين مسيرته الأكاديمية والعملية، حيث عُيِّن أستاذًا لتاريخ الحضارات الرومانية واليونانية في الجامعة المصرية، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربي في كلية الآداب وأصبح عميدًا لها. فيما بعد، تولى مناصب مهمة كمستشار لوزير المعارف ومديرًا لجامعة الإسكندرية، ثم وزيرًا للمعارف.

أثناء فترة عمله كوزير، أدرج التعليم الإلزامي والمجاني ضمن سياسته التعليمية، وساهم في تأسيس عدة جامعات مصرية. في عام 1959م، عاد للتدريس في الجامعة وتولى رئاسة تحرير صحيفة الجمهورية. وتوفي يوم الأحد، الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول لعام 1973م.

أسلوب طه حسين

الأسلوب الأدبي هو الطريقة التي يستخدمها الكاتب في اختيار الكلمات وتنسيق الجمل ليعبر عن المعاني بطريقة تهدف إلى التأثير والإقناع. يتميز أسلوب الكتّاب بتميزات فريدة تميزهم عن غيرهم، وتعكس شخصيتهم الفريدة. يُعتبر أسلوب طه حسين مميزًا للغاية، إذ يتميز بسمات تميزه عن غيره، ولا يشترك معه أحد آخر في هذه السمات.

التراكيب الموسيقية

يتميز أسلوب طه حسين بلمسة موسيقية تفتن السامع، حيث يتنوع في توجيه الصوت بمهارة متناغمة مع المعنى المراد، متجنباً الروتينية في الألحان لكي لا يشعر القارئ بالملل. يعتمد في تحقيق هذا الهدف على عدة أساليب، منها:

  1. الإيحاء بالمعنى من خلال استخدام المحسنات البديعية بشكل متكرر، لتسليط الضوء على الفكرة المرادة، كما في تعبيره عن الغرابة بقوله “وقع في نفسه أول الأمر موقع الغرابة الغريبة”.
  2. استخدام أسلوب التتابع والتكرار في العبارات لتفادي الروتين والتعبير بشكل حيوي، كما في وصفه لحالة الحرية والاستمتاع بالوقت بقوله “ينفق فيها الساعات حُلوة حُرّة”.
  3. التنويع في الاختيار اللغوي والكلمات لإضفاء المزيد من العمق على النص، كما في وصفه للمودة والاحترام بقوله “وكلّهم قد آثره بالحب، والرفق، والعطف”.
  4. اللجوء إلى الترادف لتوضيح المعنى وتعزيزه، كما في تأكيده على أهمية الفقر في تحقيق النجاح والاجتهاد بقوله “الفقر شرط للجدّ، والكد، والاجتهاد”.
  5. استخدام التناقض والتقابل في الكلمات والجمل لإبراز المعنى بشكل ملموس، كما في وصف حالة الانتباه واليقظة بقوله “حاضراً كالغائب، ويقظاً كالنائم”.

بهذه الأساليب، ينجح طه حسين في تقديم نصوص لها وقع فني يجذب القارئ ويثير فضوله، مما يجعل قراءتها تجربة ممتعة ومثرية.

الأسلوب التركيبي

طه حسين امتاز بأسلوب تركيبي متقن يعزز إيضاح المعنى ويجعل الجمل محكمة ومنطقية، مما يبرز قوته الشخصية ككاتب ومقدرته اللغوية الفذة. في بعض كتاباته، استوحى طه حسين البنية القرآنية، كما في العبارة: “ويتجنّبها الفتى لأنّه لم يكن يعرف لغة أجنبية”، وهنا يظهر تأثره بالنص القرآني، حيث يشير إلى أن الشخص يتجنب شيئًا بسبب عدم معرفته بذلك الشيء، على غرار قوله تعالى: “وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى”. ومثال آخر على هذا التأثير هو: “ينأون بدروسهم وطلابهم عن الأزهر”، مستلهمًا من قوله تعالى: “وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ”.

وقد استخدم طه حسين بشكل متكرر صيغة الغياب أو المبني للمجهول، مفضلاً إياها على الصيغ الأخرى، لما لها من قدرة فائقة على التعبير الدقيق والفني والجمالي. وهذا يميز اللغة العربية عن اللغات الأخرى التي تعتمد صيغة المبني للمجهول بشكل جامد، بينما تتمتع العربية بمرونة في تركيبها. استخدام طه حسين لهذه البنية يؤكد على استقلاليته وذاتيته في اختيار أساليبه.

ويتمثل دور طه حسين في أسلوبه بدور نائب الفاعل أو المفعول به، حيث لا يشارك الأحداث بشكل مباشر، بل يعطي الحضور الضمني للكاتب. كما في النص التالي: “ولم ينسَ صاحبنا قطّ أنّه أُجلس في مكانه من القطار حين بلغ روما وقد انتصف الليل، فلم يَبرح مكانه ذاك إلى جانب النافذة إلّا حين بلغ القطار باريس بعد ثلاثين ساعة كاملة لم يتحرّك.

الاستعانة بالدخيل والعاميّ

طه حسين استخدم أيضًا المصطلحات الغريبة مثل “دهليز”، “تونة”، “سردين”، و”خان” في كتاباته. على سبيل المثال، عندما وصف بيت الصبي قال: “بمجرد وصول الصبي إلى بيته، دخل إلى غرفة تشبه إلى حد كبير الدهليز، حيث تجمعت فيها الأثاث والمعدات المنزلية”. وفي وصف الحياة اليومية، قال: “في المساء، كان الحاج فيروز يبيع لسكان الحي الطعام اليومي مثل الجبن والزيتون والطحينة والعسل، وأحيانًا يبيع للأثرياء علب تونة وسردين”.

وقد دمج طه حسين بعض المصطلحات الشعبية بطريقة تنسجم بشكل متناسق مع نصوصه، مما يجعل القراء يشعرون بالتأثر دون أي انفصال أو عدم توازن. فمثلاً، عبّر عنها قائلاً: “كان صوت تدخين الشيشة يعلو في الحي، حيث يستمتع بالدخان تجار الحي ويضع صاحب القهوة الأجواء المناسبة”. وأضاف: “كان الأثرياء يتجهون إلى قهوة كوبري قصر النيل القريبة”، وأوضح: “وينساب النشوة القصيرة من وقت لآخر، إذا سنحت له الفرصة للخروج من حياته المعتادة للاستمتاع بالتجول في الضواحي، أو الترفيه في الحدائق، أو الجلوس في إحدى القهوات”. ويظهر أن الكلمات مثل “شيشة”، و”قهوة”، و”كوبري”، و”قهوات”، تم دمجها بشكل طبيعي في سياق النصوص الأدبية.

آراء وأفكار طه حسين

أسلوب طه حسين متميز بوضوحه وسلاسته، حيث ينادي بالحفاظ على اللغة العربية الفصحى وقواعدها، ويُعارض الاتجاهات الجديدة التي تدعو إلى استخدام العامية أو إلغاء الإعراب وتسكين الكلمات، معتبرًا أن ذلك يضعف اللغة.

طه حسين يرى أن النحو القديم معقّد، ويقترح تبسيطه ليظهر جمال اللغة العربية، ويطالب بإحياء النحو وتنشيطه لتعزيز الأدب العربي. كما ينادي بتبني الفكر الحديث والتخلص من المفاهيم البديهية الخاطئة، ويحث على حرية الفكر واعتماد منهج الشك الديكارتي في التحليل والتفسير، الذي يرفض الاعتقادات المسبقة ويشجع على البحث والتفكير النقدي المنطقي.

جوائز ومناصب طه حسين

حصل طه حسين خلال مسيرته الأدبية على عدد من الجوائز والتكريمات المتميزة. في عام 1946م، فاز بجائزة الدولة في الآداب عن كتابه “على هامش السيرة”. وفي عام 1958م، حاز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وفي 1956م، حصل على ميدالية منظمة اليونسيف. أما في عام 1965م، فاز بقلادة النيل، وقبل وفاته بأيام في عام 1973م، تكرّمت منظمة الأمم المتحدة له بجائزة حقوق الإنسان.

وقد نال العديد من الأوسمة من مختلف الدول، من بينها سوريا وتونس والسينغال والنمسا وفرنسا. ولقد تلقى وسامًا من جامعة كلوستر في إيطاليا، وجامعة مونبلييه في فرنسا، بالإضافة إلى شهادة الدكتوراة الفخرية من عدة جامعات، بما في ذلك جامعة ليون ومونبلييه وأكسفورد وباريس وروما وأثينا والجزائز.

مؤلفات طه حسين

تعتبر مؤلَّفات طه حسين التي أثرت المكتبة العربية من أهم الأعمال التي تسعى إلى تعزيز التحرر والانفتاح الثقافي، بينما تحافظ على التراث الحضاري العربي والمصري العريق. فيما يلي إعادة صياغة لشرح أهم مؤلفاته:

  1. الأيام: يعد كتابًا سيرة ذاتية يتناول طه حسين فيه رحلة حياته منذ الطفولة ومراحل دراسته في الأزهر والجامعة المصرية، وتجربته في فرنسا وتعرفه على الثقافة الغربية. يركز الكتاب على الصمود والتحقيق رغم فقدانه للبصر، ويعتبر مرآة للمجتمع المصري في القرن العشرين.
  2. في الشعر الجاهلي: يعبر طه حسين في هذا الكتاب عن آرائه في الأدب، ويشكك في صحة نسبة الأدب الجاهلي إلى عصره، مؤكدًا على أنه ينتمي بالأساس إلى فترة فجر الإسلام.
  3. حديث الأربعاء: يتألف هذا الكتاب من مجموعة مقالات أدبية نشرت في صحيفتي السياسة والجهاد، يتحدث فيها طه حسين عن تاريخ الأدب العربي من الجاهلية حتى العصر الحديث، محللًا قصائد شعراء العصور الثلاث.
  4. على هامش السيرة: يتناول طه حسين في هذا الكتاب ما ورد في السيرة النبوية لابن هشام، معتمدًا على خواطره وتحليله الخاص.
  5. تجديد ذكرى أبي العلاء: يقدم هذا الكتاب دراسة شاملة لحياة وأدب أبي العلاء المعري بأسلوب علمي موضوعي.
  6. قادة الفكر: يتناول طه حسين في هذا الكتاب تأثير الحضارة اليونانية القديمة على الفكر الأوروبي وأهمية الشعر والفلسفة في تشكيل العقل الإنساني.
  7. ما وراء النهر: هي رواية سردية تهدف إلى دعوة الإصلاح ونشر روح التفاؤل والأمل رغم الظلم، حيث يشارك القارئ في اختيار النهاية المناسبة للقصة.

بهذه المؤلفات، ساهم طه حسين في إثراء الفكر العربي والحفاظ على التراث الثقافي العربي، بينما دعم فكر التحرر والانفتاح الثقافي.

Seraphinite AcceleratorBannerText_Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.