اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية:
يُعد اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية مناسبة سنوية تقام في الثالث والعشرين من سبتمبر، والذي يصادف اليوم الأول من الميزان، احتفاءً بذكرى توحيد وتأسيس المملكة. تم إعلان هذا اليوم للمرة الأولى في عام 1932 بواسطة الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة، تخليداً لعملية التوحيد التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود وأدت إلى استرجاع الرياض، معقل أجداده، في الخامس من شهر شوال عام 1319 هجري الموافق 15 يناير 1902 ميلادي. كان الإعلان عن توحيد أراضي المملكة تحت اسم “المملكة العربية السعودية” بمرسوم ملكي صدر في 17 جمادى الأولى من العام 1351 هجري. وقد اختار الملك عبد العزيز الخميس 21 جمادى الأولى من نفس العام ليكون يوم إعلان الدولة الجديدة، مما يصادف 23 سبتمبر 1932 ميلادي.
نشأة الملك عبد العزيز
ولد الملك عبد العزيز آل سعود في مدينة الرياض في العام 1293 هـ الموافق لعام 1876 م، حيث ترعرع في كنف والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود. خلال سنواته الأولى، تلقى تعليمه الأساسي في القراءة والكتابة على يد الشيخ القاضي عبد الله الخرجي، أحد علماء الرياض، وتمكن من حفظ أجزاء من القرآن الكريم قبل أن يكمل حفظه كاملاً تحت إشراف الشيخ محمد بن مصيبيح. كذلك، درس الملك عبد العزيز مبادئ الفقه والتوحيد مع الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ.
في صغره، كان الملك عبد العزيز شغوفًا بالفروسية وركوب الخيل، وقد عُرف بشجاعته، جرأته، وإرادته الصلبة، فضلاً عن خلقه القويم. رافق والده في رحلاته إلى البادية بعد مغادرتهم الرياض، حيث تأثر بشكل كبير بنمط حياة التنقل الذي يتطلب جدية وصلابة وقوة تحمل. عند استقرار عائلته في الكويت، كان الملك عبد العزيز في الثانية عشر من عمره، وقد أمضى عشر سنوات هناك، أتقن خلالها القرآن الكريم واكتسب خبرة في السياسة وإدارة المعارك.
انطلاقة عهد جديد: تأسيس المملكة العربية السعودية
المغادرة من الكويت واسترداد الرياض
في عام 1902، بدأ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي كان يبلغ من العمر 26 عامًا، رحلته التاريخية من الكويت متجهًا نحو الرياض برفقة مجموعة من أقاربه وأعوانه. في تلك الفترة، كانت الجزيرة العربية تعيش حالة من الفوضى والتناحر. في الخامس من شوال 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، استطاع عبدالعزيز السيطرة على مدينة الرياض، معلنًا بذلك بداية عهد جديد ووضع اللبنة الأولى للمملكة العربية السعودية. وقد تنازل له والده، الإمام عبدالرحمن بن فيصل، عن الحكم والإمامة في اجتماع رسمي بالمسجد الكبير في الرياض.
توحيد نجد وما حولها
بعد استعادة الرياض، بدأ الملك عبدالعزيز في توحيد مناطق نجد تدريجيًا. في الفترة بين 1320 و1321هـ، قاد حملات عسكرية ناجحة جنوب الرياض، محققًا انتصارات في الدلم ومدن الخرج، الحريق، الحوطة، الأفلاج، ووادي الدواسر. ثم تحرك نحو منطقة الوشم، داخلًا بلدات شقراء، ثادق، وأخيرًا المجمعة، موسعًا بذلك نفوذه وضمنا إلى الدولة السعودية الحديثة.
علاج آلام القولون: استراتيجيات فعالة لتحسين نوعية الحياة
توحيد القصيم
في الفترة بين 1321 و1324هـ، توجه الملك عبدالعزيز إلى منطقة القصيم، حيث خاض عدة معارك حاسمة، أبرزها معركة الفيضة، معركة البكيرية، معركة الشنانة، وانتصر في معركة روضة مهنا في 18 صفر 1324هـ الموافق 14 أبريل 1906م. هذه المعارك ساهمت بشكل كبير في توحيد المنطقة وضمها إلى الدولة السعودية.
تلك كانت خطوات الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود نحو تأسيس دولة شامخة، تمكن من خلالها وضع أسس المملكة العربية السعودية التي نعرفها اليوم.
توحيد المملكة العربية السعودية
في 17 جمادى الأولى 1351هـ، صدر مرسوم ملكي بارز من قبل الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، يقضي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية تحت مسمى واحد هو “المملكة العربية السعودية”. بهذا المرسوم، تغير لقب الملك عبدالعزيز رسمياً إلى “ملك المملكة العربية السعودية”. تم اختيار يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ كيوم لإعلان توحيد المملكة، والذي أصبح يُعرف باسم اليوم الوطني للمملكة.
كما اعتمدت الدولة في عهده شعارها الرسمي المميز الذي يتضمن سيفين متقاطعين ونخلة، وتم تحديد العلم الأخضر الذي يحمل شهادة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله” بالأبيض، مع سيف أبيض أسفلها.
تحديث الدولة وتعزيز العلاقات الدولية
أقدم الملك عبدالعزيز على تنظيم دولته وفق مبادئ التحديث والتطوير المعاصر. قام بتوزيع المسؤوليات وأسس حكومة منطقة الحجاز بعد ضمها. في عام 1344هـ/1926م، أنشأ منصب النائب العام في الحجاز وأسند مهامه إلى ابنه الأمير فيصل، الذي تولى أيضاً رئاسة مجلس الشورى. في 19 شعبان 1350هـ الموافق 30 ديسمبر 1931م، تم إنشاء نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء، وتم إنشاء عدد من الوزارات.
أسس الملك عبدالعزيز علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي، وتم تعيين سفراء وقناصل ومفوضين ووزراء. كما أولى اهتماماً بالقضية الفلسطينية وكانت المملكة من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية في القاهرة عام 1365هـ / 1945م.
إنجازات اجتماعية واقتصادية
من بين إنجازات الملك عبدالعزيز، مشروع توطين البدو في هجر زراعية مستقرة وتشكيل جيش متطوع منهم. كما عمل على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمملكة من خلال دعم التعليم بفتح المدارس والمعاهد، إرسال البعثات الدراسية إلى الخارج، وتشجيع طباعة الكتب، خصوصاً الكتب العربية والإسلامية. أنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقام بتوسعة الحرم النبوي الشريف بدءاً من عام 1370هـ/1951م، وعمل على تحسين الخدمات الطبية والوقائية للحجاج.
دولة فتية: النهضة الاقتصادية والتحديث في المملكة العربية السعودية
في عام 1357هـ/1938م، شهدت المملكة العربية السعودية نقطة تحول كبرى بالاكتشاف التجاري للنفط في المنطقة الشرقية، مما ساهم في تعزيز الثروة النقدية للمملكة ودعم تطورها الاقتصادي والاجتماعي. في ظل هذه النهضة، تأسست مؤسسة النقد العربي السعودي، وبدأت العملة السعودية في تحقيق مكانة مرموقة بين عملات الدول الأخرى.
تم دعم القطاع الزراعي بشراء الآلات الزراعية وتوزيعها على الفلاحين لتعزيز الإنتاج الزراعي. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء طرق برية معبدة وخط حديدي يربط بين الرياض والدمام لتحسين البنية التحتية وتسهيل النقل. أُنشئت شبكة واسعة من المواصلات السلكية واللاسلكية، وتم وضع أساس للطيران المدني بإنشاء الخطوط الجوية العربية السعودية في عام 1945م.
أُنشئ خط أنابيب نفط يمتد من الخليج إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، مما عزز من قدرة المملكة على تصدير النفط. في القطاع الإعلامي، تم افتتاح الإذاعة السعودية في عام 1368هـ/1949م، مما عزز من تواصل الحكومة مع المواطنين.
تم أيضًا التركيز بشكل كبير على الخدمات الصحية، حيث تم إنشاء العديد من المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف أنحاء المملكة. وفي إطار تحسين الخدمات العامة، تم وضع نظام للجوازات السعودية وتحسين المرافق العامة الأخرى.
الملك المؤسس قد أسس دولته الفتية على أسس متينة، مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، محولاً بذلك الخوف إلى أمان، والجهل إلى علم، والفقر إلى رخاء وازدهار، وضع للمملكة منهاجاً لتصبح قوة مؤثرة في العالم الحديث.
تطوير وإصلاح: تعزيز الاستقرار والتحديث في عهد الملك عبدالعزيز
لم يقتصر جهد الملك عبدالعزيز على بناء الوحدة السياسية والحفاظ عليها فحسب، بل أولى اهتمامًا بالغًا بتطوير الدولة وإصلاحها في شتى المجالات. بفضل الله، استطاع وضع أسس نظام إسلامي مستقر وثابت، مع التركيز على تحديد الصلاحيات والمسؤوليات بشكل واضح. تم تشكيل الوزارات وظهرت مؤسسات جديدة وتأسست إدارات لمواكبة التطورات العالمية، حيث أدخلت المخترعات الحديثة لأول مرة في شبه الجزيرة العربية، مما ساهم في استبدال الوسائل التقليدية تدريجيًا.
كما أقام الملك عبدالعزيز نظام القضاء على أسس شرعية صارمة، فأنشأ المحاكم بأنواعها ودرجاتها المختلفة. أصدر الأنظمة التي تدعم هذه المحاكم وتحدد وظائفها واختصاصاتها وسلطاتها، وتنظم سير العمل بها. أسهم هذا في ترسيخ مبادئ العدل وتحكيم الشريعة الإسلامية في كافة الأمور.
علاوة على ذلك، حقق الملك عبدالعزيز إنجازات بارزة في مجال تعزيز الأمن والنظام داخل الدولة. عمل بيد من حديد ضد أي تهديدات للأمن أو النظام، مما أسهم في توفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين. بفضل هذه الجهود، أصبحت السعودية مثالاً يُحتذى به دوليًا في مجال الأمن والاستقرار، وسُطرت بذلك أحد أهم الأمثال في الاستقرار الدولي.
إقامة شرع الله: التزام الملك عبدالعزيز بالشريعة الإسلامية
الهدف الأسمى للملك عبدالعزيز خلال جهاده الطويل كان إقامة شريعة الله، مستمدة من منابعها الصافية كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن تراث السلف الصالح. جعل الملك عبدالعزيز هذا الهدف أساسًا لقيام دولته الفتية منذ تأسيسها وحتى اليوم، معبرًا عن هذا الالتزام في خطاباته وأحاديثه بأصدق العبارات.
في أحد تصريحاته، يذكر الملك عبدالعزيز قائلاً: “إني أعتمد في جميع أعمالي على الله وحده لا شريك له، أعتمد عليه في السر والعلانية، والظاهر والباطن، وأن الله مسهل طريقنا لاعتمادنا عليه، وإني أجاهد لإعلاء كلمة التوحيد والحرص عليها”.
كما أكد على أهمية الشريعة الإسلامية في إدارة شؤون الدولة خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى في عام 1349هـ بقوله: “إنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في هذه الدائرة أحرار في سن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقًا لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفًا للشريعة الإسلامية، لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيدًا لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم”.
من خلال هذه التوجيهات والمبادئ، أرسى الملك عبدالعزيز قواعد الحكم في المملكة العربية السعودية، معززًا الالتزام بالشريعة الإسلامية كأساس للحكم والإدارة في جميع المجالات.
شخصية الملك عبدالعزيز: مقومات شخصية استثنائية
الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، كان شخصية فريدة من نوعها بمقومات وصفات تميزه عن غيره، جعلت منه قائدًا ملهمًا ومؤثرًا. فيما يلي إيجاز لأبرز صفاته ومناقبه:
- عمق الإيمان: كان الملك عبدالعزيز مؤمنًا عميق الإيمان، يعتمد على الله في كل أموره، ولا يسأل سواه في تحقيق آماله وتطلعاته.
- علم غزير بالدين: حفظ القرآن الكريم وكان لديه إلمام واسع بالأحاديث النبوية الشريفة والأحكام الشرعية، وقد وضع هذا العلم موضع التطبيق في حكمه، محتفظًا بعلاقات قوية مع العلماء والفقهاء، حيث كان يجتمع بهم يوميًا لمناقشة العلوم الدينية.
- حكمة وتدبر: كان حكيمًا يستخدم عقله في تقييم الأمور بعناية ويتخذ القرارات بعد تمحيص دقيق، مما أدى غالبًا إلى اتخاذ القرارات الصحيحة.
- شجاعة وبسالة: اتسم بشجاعة كبيرة، لا يتردد في خوض المعارك دفاعًا عن مبادئه وأرضه، مهما كانت قوة الخصم.
- مهارات قيادية عسكرية: كان قائدًا عسكريًا موهوبًا، يجيد رسم وتنفيذ الخطط الحربية، وكان يستخلص الدروس من المعارك التي خاضها لتحسين استراتيجياته.
- فهم عميق للمجتمع: كان لديه خبرة واسعة بالمجتمعات البدوية والحضرية في شبه الجزيرة، مما ساهم في فهمه العميق للقبائل وأنسابها.
- التزام راسخ بالشريعة: كان شديد التمسك بأحكام الدين، لا يتهاون أو يهادن فيها، وكان هذا واضحًا في تطبيق القوانين والأحكام الدينية في حكمه.
- رقة القلب والإحساس العميق: على الرغم من صرامته في الحفاظ على الأمن والنظام، كان يتسم برقة القلب وعمق الإحساس تجاه شعبه، معتبرًا الجميع سواسية أمام القانون لتحقيق العدالة.
من خلال هذه الصفات، استطاع الملك عبدالعزيز بناء دولة قوية ومستقرة، مستندًا إلى أسس دينية وإنسانية قوية، مما جعله شخصية محورية في التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية.
وفاة الملك عبدالعزيز: نهاية عهد واستمرار إرث
في الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ، الموافق 9 نوفمبر 1953م، انتقل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى رحمة الله، تاركًا وراءه إرثًا ضخمًا بعد جهاد طويل كان له تأثير بالغ في التاريخ الإسلامي والعربي. خلال حياته، أسس دولة إسلامية عصرية ترتكز في جميع توجهاتها على الكتاب والسنة، مستفيدة من إنجازات العصر في حدود الشريعة الإسلامية ومستهدفة خدمة الدين والمسلمين في كل مكان.
تمثل الخامس من شوال 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م، علامة فارقة في تاريخ المملكة، حيث بدأت من هذا التاريخ مسيرة الملك عبدالعزيز لاستعادة ملك آبائه وأجداده، مرورًا بملحمة بطولية فريدة في التاريخ الحديث. أمضى الملك المؤسس أكثر من ثلاثين عامًا في جهاد الأبطال، مع رجاله المخلصين لتوطيد أركان دولته وجمع شتات أبناء الوطن تحت راية التوحيد.
بنى الملك عبدالعزيز المملكة العربية السعودية كدولة ترتكز على مبادئ الإسلام وتسهم بفعالية مع دول العالم في ترسيخ السلام والأمن. كما كانت المملكة من أوائل الدول العربية التي شاركت في تأسيس جامعة الدول العربية في عام 1945م، وقد وقف إلى جانب الدول العربية في كفاحها للتحرر من الاستعمار ودعم القضية الفلسطينية بقوة.
المملكة تعتز بخدمة الحرمين الشريفين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتقدم الخدمات للحجاج والمعتمرين والزوار. تحظى المملكة بمكانة مرموقة في المجموعة الدولية، ساهمت فيها إسهاماتها السياسية والاقتصادية، وتمتاز بمركزها العربي والإسلامي المتميز.
إن الإرادة القوية والعزيمة الصادقة التي أظهرها الملك عبدالعزيز قد توارثها قادة المملكة من بعده، مما يساهم في استمرار مسيرة البناء والتقدم، حيث تمثل مسيرة المملكة مراحل ثرية حافلة بالإنجازات التي تجسدت في ترسيخ أسس التطور وبناء قاعدة اقتصادية وطنية قوية.